لاشك أن سمات كل مجتمع تختلف عن غيره من المجتمعات، بل أن سمات ذات المجتمع تتغير كل فترة، وقد كانت هذه الفترة طويلة نوعاً فيما مضى، أما الآن فالمجتمع يتغير بسرعة مذهلة كل بضعة سنوات، وقد تعود الكتاب على اعتبار كل عشرة سنوات. حقبة محددة، يدرسونها ويحددون تياراتها فيقولون: "عالم الخمسينات" و "عالم الستينات" و "عالم السبعينات" وهكذا. والحقيقة أننا نلاحظ فى الخدمة نفس معدلات التغيير التى نلاحظها فى العالم، وفى مصر مثلاً نستطيع أن نقول: أن "الخمسينات" كانت ثورة، و "الستينات" كانت نكسة و "السبعينات" كانت انتصارات، تحاول مسح أثار النكسة بجهد جهيد بالحرب والسلم، ولعل أفضل شعار يجب أن نرفعه على مصر "الثمانينات" هو شعار العمل والإنتاج، فى سلام إجتماعى، ووحدة وطنية، لمواجهة مجاهل السياسة والصراع، فى عالم الثمانينات، الذى بدأ بالتحدى السوفيتى فى أفغانستان، والعطش الرهيب إلى البترول، مما سيجعل من منطقتنا بؤرة مستمرة للصراعات فى الفترة المقبلة. ولاشك أن الشاب والشابة يتأثران بما يدور حولهما من أحداث، فهذه الصراعات تعكس نفسها على الحياة البيئية والخاصة، إذ تلتهب أسعار السلع تماماً، كما تعكس نفسها على مستوى الدول إذ تشحذ طاقاتها للتسلح والحروب المتوقعة، مع إنخفاض فى معدلات التنمية المرجوة، والشاب الآن يشعر بصعوبة الزواج، بسبب تضاؤل المرتبات بالنسبة لأسعار السلع، والمساكن (إن وجدت)، والأثاث، والتقاليد البالية التى عفا عليها الزمن إذ أننا لا نواجه هذا التغيير بتطوير حياتنا وأثاثنا بالصورة المناسبة. وبالطبع فإن هذه الظروف تعكس أثارها على نفسيات الجيل الصاعد، والشباب المتطلع إلى الحياة، بل أنها تحدث أثاراً مدمرة على أخلاقيات الناس نتيجة التوتر العصبى، وعزوف الشبان عن الزواج، وتأخر زواج الفتيات... الخ. وهكذا بدأ الشباب يشعر بثقل المسألة المادية ويوليها اهتماماً ضخماً، بعد أن كانت مسألة يسيرة لا تشغله كثيراً عن اهتمامات الروح والأبدية، ولاشك أنه من العسير أن ننتظر من الناس "أن يزدادوا فى كل عمل صالح" قبل أن "يكون لهم الكفاف فى كل شئ".
وهنا تكمن مهمة الكنيسة فى زوايا مختلفة مثل :
1- دعوة الشباب إلى الهدوء النفسى : والثقة فى الله القادر أن يصنع معهم المعجزات ويبارك لهم حتى فى القليل، فحياتنا بيده، وصحتنا من عنده، وجهادنا يحتاج إلى ختم بركته، هذه حقائق اختبارية أكيدة وليست مجرد كلمات إنشائية.
2- دعوة الشباب إلى العمل والكفاح : داخل وخارج مصر دون تلكؤ أو كسل "فأى عمل شريف لابد أن يكون مقدساً بالصلاة والكلمة"، "ومن لا يشتغل لا يأكل أيضاً" (2تس 10:3). يجب أن يخرج الجيل الجديد عن قوالب "الميرى" و "الشهادات والياقات المنشاة"، ليعمل فى جد وبساطة وتواضع، ناسياً أن قيمة الإنسان بماله وحسبه ومركزه ومنظره، ومتذكراً أن قيمة الإنسان الحقيقية تكمن فى سعادته بالله وإسعاده للآخرين.
3- التوجيه المستمر لشبابنا قبل خروجه من الوطن إلى أرض الغربة : فهناك ضغوط جبارة واغراءات كثيرة: مادية وإيمانية وسلوكية، يجب أن نجهز شبابنا لهذه التحديات حتى يحتفظ بعشرته مع المسيح، وإرتباطه بالكنيسة، وشبعه بالإنجيل فى أرض الغربة، وأن نحذره من أن يتعود ممارسة خطايا وإنحرافات معينة، تحيط به هناك بسهولة، كالخطايا الجنسية وشرب الخمر وغير ذلك.
4- المتابعة المستمرة لشبابنا وهو فى أرض الاغتراب : سواء من كنيسته المحلية بالخطابات أو الزيارات، أو من كنيستنا القبطية فى المهجر، فلاشك أن هذه الرابطة تعطيه إحساساً بالإنتماء، وتبنى حياته فى الخط السليم، وتحميه من إنحرافات كثيرة.
5- أما بخصوص المهاجرين : فيجب أن تواصل الكنيسة جهودنا بنفس الحماس، ونحن نشكر الله من أجل التزايد المذهل فى عدد كنائسنا بالخارج، ومن أجل العمل المبارك للآباء الكهنة والرهبان، فى رعايتهم المستمرة والساهرة، لأبناء الكنيسة هناك.
6- نحتاج أن نصدر العديد من الكتب الصغيرة، وأن نناقش الشباب فى إجتماعاتهم معنا فى التيارات التى تحيط بهم محاولة أن تجرفهم مثل :
أ- تيار الإباحية : الذى بدأ يستبد بالناس فى الغرب، وليته أشبعهم أو أراحهم!! أنهم يشربون ويطعمونه من ماء مالح، ويطمعون أنفسهم من خرنوب الخنازير، وهيهات أن يشبعوا!! إن الإباحية خطر رهيب على الفرد والأسرة والمجتمع، وهى تعبير عن إنطلاق الغرائز لتقود الإنسان، عوض أن يقوده الله أو حتى العقل والضمير، والملاحظة السريعة عندما نشهد إعلانات أفلام السينما، تؤكد هذا الخطر: وهو الإثارة المستمرة للغريزة فى شعب مكدود ومتوتر.
ب- تيار العنف : لاشك أن الصراعات الدولية عكست على الإنسان توتراً داخلياً، بحيث ارتفعت حرارة انفعالاته، فأصبح يحاول أن يحل مشاكله عن طريق العنف، وهذا هبوط غريزى أخر من مستوى الحق والمنطق إلى مستوى سفلى، وليت العنف ينفع!! أنه يولد المزيد من العنف!! وهكذا يشتعل الإنسان بنار الحقد والكراهية والتعصب الأعمى، تقوده غريزة المقاتلة بدل أن يقوده الإله المحب والمنطق الهادئ.
ج- التيارات الفكرية : يرى الشاب من حوله، ويقرأ عن الماركسية بإلحادها الدموى، والوجودية بإلحادها العملى، والعبث بإلحاده الفكرى.. ويجب أن يسمع رداً من الكنيسة على هذه التيارات جميعاً، والحمد لله أن الله يترك كل تيار فيها ليعبر عن نفسه، وعن فشله فى خدمة الإنسان واسعاده، فالشيوعية تعبد المادة بدل الله، وتطحن الشعوب تحت قدميها فى استعمار رهيب تجاوز كل أنواع الإستعمار السابقة فى بشاعته، والوجودية الملحدة التى دعا إليها سارتر انتهت إلى لا شئ. فالله ليس عدواً للإنسان كما يتوهم ذلك المسكين، بل الإنسان عدو نفسه حين يخرج من دائرة الله. والعبث الذى يدعو الناس إلى الإعتراف بأنهم لا يدرون شيئاً ضيائه، هبطت أسهمه التى نشرها صموئيل بيكيت وأنسكو وغيرهما حيث أن المذهب يلقى الإنسان فى ضياع وظلمة.
ويكفى كدليل على فساد هذه التيارات الأقوال البسيطة التالية لمفكريها الأساسيين :
"هذه الحياة تستحق الانتحار، ولكنى لا أفضل ذلك" (ألبير كامى - وجودى ملحد)
"الجحيم هو الآخرون".. (سارتر - وجودى ملحد)
"هذا الوجود بلا جدوى وزائد عن الحاجة".. (سارتر)
"الإنسان يخرج من ظلمة الرحم، إلى ظلمة القبر، مارا بظلمة الحياة".. (صموئيل بيكيت - عبثى)
"الإنسان يولد ويعذب ثم يموت".. (فولتير) وهكذا يبقى إنجيل المسيح نوراً للعالم، إذ يشرح للإنسان محبة الله الفائقة، وتجسده العجيب، وفدائه المذهل، وحنانه الجبار، ونعمته المخلصة لجميع الناس، وملكوته الأبدى الذى نحياه منذ الآن "ها ملكوت الله داخلكم" (لو 21:17).
د- الضغوط الإيمانية : قد يحس الشاب بضغوط إيمانية وتساؤلات تحتاج إلى:
الرعاية الكنسية الفردية والعائلية للجميع فى كل مكان.
التدعيم الروحى لأن من يختبر عمل المسيح الفائق لا يحتاج إلى أسانيد فكرية ونظرية كثيرة.
التدعيم الفكرى والعقيدى لأساسيات الإيمان المسيحى بالإجتماعات والكتب المناسبة.
التوعية المستمرة بضرورة السلوك بمحبة مع الجميع، حفظاً لسلامنا الإجتماعى ووحدتنا الوطنية، فالحب يبنى والكراهية تهدم.
مع تحيات RAMY ADWER
ZOSERZORO@YAHOO.COM0123023209